التعدية بالـ «هـ» في العربية: دراسة تأصیلیة
مهدي مقدسي نيا الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية جامعة قم
حسين رضوي برقعي الباحث المستقل في مجال اللسانیات السامية
نهدي هذا الجهد المتواضع إلی أستاذنا الغالي المهندس
«آرش آبائي» تقدیرا منا لجهوده المضنية في تعلیم اللغة العبرية
پیش سخن
مقاله زیرین پژوهشی درباره زبان عبری است. آشکار است کمابیش هر زبانی در میان زبانهای جهان از گذشته تا امروز مشتمل بر کلماتی است که مشخص کننده و متمایز کننده لازم و متعدی است. در عبری حرف هاء هم تعیین کننده حرف تعریف است و هم متعدی ساز. در این مقاله کوشیده شده به اثبات این مقوله در زبان عبری پرداخته شود. نمونه هایی برای آن از این زبان و همسنجی با زبان عربی به دست داده شده است. اصل مقاله پیش از این برای انتشار در آلمان و انگلستان ارسال شده است. امید است در آینده مقالات دیگری در این باره در همین سایت منتشر شود. در اینجا بایسته است از استاد ارجمند جناب آقای مهندس آرش آبایی از فرهیخته ترین کلیمیان ایران سپاسگزار باشیم که پیمودن گامهای نخستین آموزه های عبری به شکل بنیادین به دست ایشان پی افکنی شد.
لکل فئة لغویة في العالم آليةٌ خاصةٌ للتعدية ومنها فئة اللغات السامية التي تنتمي اللغة العربية إلیها. یرمي هذا البحث إلی دراسة التعدية بالـ «هـ» دراسة تأصیلية محاولا الإجابة إلی هذا السؤال: هل کان التعدية بالـ «هـ» موجودا في اللغة العربية وهل یمکن القول بأن الأفعال العربیة التي بدأت بحرف الـ «هـ» أو الـ «ح» هي کانت أفعالا متعدية بحرف الـ «هـ» ولکنَّ هذه الحروف قد التحقت بجذور الأفعال علی مر الزمان وذلک بعد إحداث تغییر فیها؟ تشیر نتائج هذا البحث إلی أن عددا من الأفعال التي بدأت بحرف الـ «هـ» أو الـ «ح» کانت جذورها تخلو من هذین الحرفین اللذین کانا یمثلان دور عامل للتعدیة ولکنهما علی مر الزمن، التحقا وأصبحا یشکلان جزءا من جذور الأفعال. کما أن ما وصل إلیه الباحثان یدل علی أن هذه الظاهرة اللغوية طرأت علی الأفعال المضاعفة والمعتلة دون غیرها من الأفعال حیث حذف منها الحرف المضاعف وحرف العلة.
الکلمات المفتاحية: التعدية في اللغات السامية ؛ التعدية بالـ «هاء» ؛ اللغات السامية ؛ فقه اللغة المقارن
المقدمة
لفئة اللغات السامية التي تنتمي إلیها اللغة العربية طرق مختلفة للتعدية فبعض هذه الطرق هي مشترکة وشائعة بین بعضها أو أکثرها حیث أشار بروکلمان (1916: 124) في معرض حدیثة عن القواسم المشترکة في تعدية الأفعال (Kausativstamm) في اللغات السامية قائلا بأنه وفي هذه الفئة اللغوية، یتم التعدية عبر إضافة مقطع إلی بداية الفعل وفي نفس الوقت، یتم تسکین فاء الفعل.
یری بروکلمان (1916: 124) بأنه في اللغات العربية، والحبشية والآرامية یتم إضافة «أ» إلی الفعل للتعدية غیر أنه في اللغة العبرية، یتم إضافة «هاء» إلی الفعل. وحسب قوله، قلما نری بأن یضاف «هاء» إلی الفعل العربي للتعدية ومن تلک النماذج القلیلة، یمکن أن نذکر فعل «هَراق».
السؤال الرئیسي الذي یحاول الباحثان الإجابة إلیه هو: هل یمکن القول بأن الأفعال العربیة التي بدأت بحرف الـ «هـ» أو الـ «ح» هي کانت أفعالا متعدية بحرف الـ «هـ» أي کان هذان الحرفان هما المقطعین المضافین إلی الجذر الثلاثي للأفعال للتعدية ولکنَّهما قد التحقا بجذور الأفعال علی مر الزمان وأصبحا جزءا منها وذلک بعد إحداث تغییر في الجذر الثلاثي؟
في هذا البحث، تم اختیار بعض الأفعال التي تبدأ بحرفي الـ «ه» والـ «ح» فبعد ذلک، تم القیام بحذف هذین الحرفین من بداية الأفعال والبحث عن الجذر الثلاثي الرئیسي الذي تم إضافة «ه» إلیه.
الأهمية التي تکمن وراء هذا البحث هو إماطة اللثام عن کیفیة صنع الجذور الثلاثية الجديدة في اللغة العربية وذلک بإضافة مقطع کان في الأصل عاملا للتعدية. یساعد ما هو بین یدیکم، الباحثین حتی یتعرفوا علی بعض جوانب التطور الصرفي والدلالي في اللغة العربية.
سابقة البحث
کما أشرنا آنفا، أول من خاض في میدان الحدیث عن هذا الأمر هو بروکلمان (1916) الذي حاول أن یجد القواسم المشترکة في تعدية الأفعال بین اللغات السامية. هناک أشخاص آخرون تطرقوا إلی الأمر في کتبهم وبحوثهم منهم:
شوقي ضیف (1982: 107) الذي لا یضیف کثیرا إلی ما قاله بروکلمان شیئا بل یکتفي بإعادة قوله إلا أنه یذکر أمثلة عربية أکثر. فمن هذه الأفعال التي یضاف إلیها حرف الـ «ه» عند التعدية وأشار إلیها شوقي ضیف هي «أراح»، و«أنار» و«أذرف» الذي ضم المعاجم العربية أشکال أخری منها وهي «هَراح»، و«هَنار» و«هَذرف».
لیبنسکي (2001: 389) یعتقد أن الأصل في التعدية (في اللغات السامية) إضافة حرف الـ «شین» إلی بداية الجذر الثلاثي ؛ ولکنه وعلی مر الزمن، احتل «هـ» مکان حرف الـ «ش» المستخدم للتعدية.
عبابنة (2010: 168) هو الآخر الذي تطرق إلی التعدية في اللغات السامية مرددا کلام سابقیه، قائلا «من الممکن أن تکون هذه السوابق المختلفة التي لا یمکن أن تتطور عن أصل واحد، موجودة فیما یسمی اللغة السامية الأم، ولکنَّ کل لغة استقلت بسابقة منها، وأهملت غیرها في تداولها الاستعمالي».
هناک مصادر مختلفة تتطرق إلی التعدية في اللغات السامية ولکن کل ما تضمه هذه المصادر من المعلومات عن التعدية بالـ «هـ» لا تتجاوز ما قاله بروکلمان في کتابه «فقه اللغات السامية» ولکن هذا البحث الذي نرمي إنجازه یساعد الباحثین بأن ینظروا إلی هذا النوع من التعدية من منظور آخر.
رام ـ هَرِمَ
فعل «رام» یمکننا العثور علیه في مختلف اللغات السامية منها اللغة العبرية، واللغة السریانية، واللغة الجعزية واللغة العربية الجنوبية. یذکر کلاین (1987) بأن «רום» تعني «ارتفع، وازداد وأصبح شامخا» في العبرية. فیما یتعلق باستخدام هذه الکلمة في اللغة السریانية، فیجب القول بأن کلمة «ܪܡ / رُمُ» تعني «الرفیع والشامخ» في هذه اللغة. (اسمیث، 1967: 542) في اللغة الجعزية، نری کلمة «ራማ» (راما) والتي جلبت من «المکان الرفیع، السلطنة السماوية والسماء الثالث» دلالة لها. (لسلو، 1991: 470) وهناک فعل «ረየመ» (رَیَمَ) في اللغة الجعزية والذي یعني «ارتفع» (لسلو، 1991: 478) کما یذکر (بیلا، 1982: 487) «ارتفع وابتعد» کمعنی له في اللغة العربية الجنوبية.
فعل «رام» في اللغة العربية تحمل في طیاتها دلالات مختلفة منها: «زاد ـ فضل ـ ابتعد ـ فارق» فعند المقارنة بین دلالات جذر «رام» في مختلف اللغات السامية، نجد بأن «الزیادة والابتعاد» هو القاسم المشترک بینهما.
یکشف البحث عن الجذر المذکور في المعاجم العربية عن کلمات مختلفة تحمل في طیاتها المعنی الذي تم ذکره لمادة «ر. و. م» ولکنها تطورت وتغیرت بشکل أو بآخر. فمن هذه الکلمات المستمدة من جذر «ر. و. م» یمکن أن نذکر «رَمحس» الذي ذکره ابن منظور دونما أن یکشف لقارئه الستار عن مکونات هذه الکلمة مکتفیا بالقول بأنه من صفات الشخص الشجاع. حسب رأي الباحثین، فإنه یتکون من «رَم + حس» ویعني «علا حسبه». هناک کلمة أخری نری من الجذر المذکور أثرا فیه هو «طرماح» ویعتقد الفیروز آبادي بأنه یعني «الطویل، والعالي النسب والبعید الخطو» کما یذکر ابن منظور بأن عبارة «طرمَحَ البناء» یعني علاه ورفعه کما أن کلمة «الطرماح» تدل علی اتصاف الشخص الذي یطلق علیه هذا النعت بعلو الذکر والنسب. ومن معانيها أیضا «المرتفع / الطویل / الرافع رأسه زهوا».
بعد حدیثنا عن «رام» في اللغة العربية، علینا أن نتطرق إلی فعل «هَرِمَ». تضم اللغة العبرية فعل «הֵרִים» والذي یعني «رفعه، وأعلاه، وعرض علیه وفارقه» (کلاین، 1987). حسب رأي ابن منظور «الهَرَم» هو أقصی الکبر و«الهَرِمُ» هو الطاعن في السن. فعلی هذا الأساس، عندما یرتفع عدد السنوات التي عاشها الشخص فهو یصبح «هرما». هناک نقطة لابدَّ من الإشارة إلیها وهي أن کلمة «الهرم» التي یتصور البعض إنها تدل علی بناء مثلثي الشکل، کانت في الأصل دالة علی بناء مرتفع وکان الناس عند مشاهدة هذه المباني الشاهقة یطلقون علیها «هرم = أي بناء مرتفع»
یبدو بأن هاء التعدية دخل علیه فصار «هَرِمَ» وذلک بعدما فقد حرف العلة والتحق حرف الهاء بجذره الثلاثي. السؤال الذي یطرح نفسه هنا هو أن فعل «هرم» في اللغة العربية فعل لازم ولیس متعدیا کما ذکرنا. للکشف عن الحقیقة، لابد لنا من أن نعود إلی معنی «ر. و. م» في اللغات السامية فنجد بأنه فعل لازم ولا یتعدی إلا بعد إضافة مقطع إلیه. یبدو أن هذا الفعل وقبل مسحه أو نسیانه في اللغة العربية کان لازما ویتعدی بإضافة «هـ» إلیه ولکنه ـ علی مر الزمان ـ طرأ تطور في معناه.
زمَّ ـ هزم وحزم
فعل «زمَّ» یعنی «شدَّ وربطَ». علی سبیل المثال، عبارة «قد زمَّ البعیر» تعني «علق علیه الزمام». (ابن منظور، مدخل زمَّ). هذا ما نجده في اللغات السامية الأخری کالعبرية والسریانية. في اللغة العبرية، فعل «זָמַם» یعني «شدَّ» و «ربط» (کلاین، 1987) کما أن فعل «ܙܰܡ» في اللغة السریانية یعني «شدَّ» و «ربط». (اسمیث، 1967: 117) وفي اللغة الجعزية، کلمة «ዝማም» (زَمام) تعني «ما یشد أو یلجم به الحیوان» (لسلو، 1991: 638) عند إمعان النظر في الدلالات التي تم ذکرها لکلمة «ز. م. م» في مختلف اللغات السامية، نجد بأنها مشترکة کل الاشتراک.
بعد حدیثنا عن فعل «ز. م. م»، یأتي دور «هزم وحزم». فعند بحثنا في المعاجم العبرية، نلتقي بکلمة «הֲזָמָה» والتي تعني الفوز في دحض ما قاله الشاهد في المحکمة (کلاین، 1987) فهذه الدلالة هي تشبه الدلالة التي يحمل فعل «هزم» في اللغة العربية ویعتقد الباحثان بأن هاء التعدية دخل علیه، فتحول هذا الفعل إلی «هزم». لو افترضنا بأن «هزم» أصله کان فعل «زمَّ»، فنجد بأن الفعل الأصلي کان مضاعفا، ولکن حینما دخل هاء التعدية علیه، سقط الحرف الثالث منه لیتمکن هاء التعدية أن یصبح جزءا من الجذر الثلاثي للفعل.
هاء التعدية وبعد التحاقه بالجذر الثلاثي لفعل «زمَّ» أحدث تغییرا في معناه حیث یستدعي کل منا عند استماعه فعل «هزم»، مشهدا من مشاهد الحرب أو المعرکة. هناک نقطة هامة جدا وهي أننا لو أردنا أن نقوم بتعریف فعل «هزم» اعتمادا علی أصله، علینا القول بأن الهزیمة هي جعل الزمام للعدو بحیث لا یتمکن من أن یقوم بشیء خارج إرادة من کبده الهزیمة.
فیما یتعلق بفعل «حزم» لابد أن نعید النقطة الواردة أعلاه وهي أن أصله «زمَّ». فصوتیا، یمکن أن یتحول «هاء» إلی «حاء» في النطق ولذلک تحول إلی «حزم». إن نظرنا بدقة إلی کلمات کـ «الحزام» و «الحازم»، نجد بأن کل هذه الکلمات تضم في طیاتها معنی «الزمام». علی سبیل المثال، «الحزام» هو ما یشد حول الظهر لنتمکن من الزمام بالسروال حتی لا یقع. کما أن «الرد الحازم» هو «رد یجعل العدو غیر قادر علی تکرار ما فعل».
دلا ـ هدل
فعل «دلا» في اللغة العربية یعني «إنزال الدلو في البئر» کما أنه في اللغة العبرية «דלה» یعني «سحب الماء من البئر» (کلاین، 1987) وفي اللغة السریانية «ܕܠܐ» تعني «انتشال وإحداث تعریشة للکرمة» (کوستاز، 1984: 65)
لو بحثنا عن فعل «هدل» في اللغات السریانية، نجدها في اللغة العبرية والذي لا یختلف معناه عن فعل «دلا». إن فعل «הִדְלָה» یدل علی «سحب الماء وإیجاد تعریشة للکرمة» (کلاین، 1987) وفعل «هدل» في اللغة العربية کذلک یدل علی «التدلي والاسترخاء». حسبما جاء في المعاجم «هدل الرجل» یعني «استرخت شفته السفلی وتدلت» و «هدل السحاب» یعني «تدلی ودنا من الأرض» و«هدل الشیء هدلا» یعني «أرسله إلی أسفلَ وأرخاه»
التغییر الذي طرأ في الجذر الأصلي (دَلا) عند التحاق الـ «هاء» هو حذف حرف العلة حیث تحول الفعل إلی «هدل».
تمَّ ـ حتم
فعل «تمَّ» من الأفعال التي لا یقتصر وجوده في اللغة العربية حیث نری فعل «תמם» في اللغة العبرية والذي أخذ من «اکتمل وانتهی» معنی له. (کلاین، 1987) وکذلک فعل «ܬܡܡ» في اللغة السریانية والذي یعني «اکتمل» (کوستاز، 1984: 393) کما أننا نجد صفة «ተማም» «تمام» به معنای «المکتمل» (لسلو، 1991: 576) فعل «تمَّ» في اللغة العربية یعني «کَمُلَ» وتم الشيء یعني «کمل» و«تم بالشيء» یعني «جعله تاما»
أما فعل «حتم» فنجد له مثیلا في العبرية وهو فعل «הֵתַם» والذي یعني «وضع نهاية لشيء أو لأمر» وحسب رأي الباحثین، إن أصل فعل «حتم» في اللغة العربية هو «جعل نهاية خاصة لشيء أو تحدید نهاية خاصة لأمر».
فیما یتعلق بالتغییر الذي طرأ علی الجذر الرئیسي، یجب القول بأن الجزء المکرر من فعل «تمَّ» المضاعف قد حذف لیسمح ذلک بأن یلتحق حرف الـ «هاء» إلی الجذر الرئیسي.
طل ـ هطل
من المعاني الذي تم ذکره لکلمة «طلّ» اسما أو فعلا، «المطر الخفیف الذي یصیب أرضا» فلو بحثنا عن هذه الکلمة في مختلف اللغات السامية، نجدها في اللغة الجعزیة «ጠለለ» بمعنی «تبلل، أصبح مرطوبا، تغطی بالندی» (لسلو، 1991: 591) کما نجد فعل «טלל» في اللغة العبرية والذي یعني «غطي بالندی» (کلاین، 1987) واسم «ܛܠܐ» في اللغة السریانية الذي یعني «الندی أو الندی الذي لم یتجمد بعد» (اسمیث، 1967: 174) القاسم المشترک بین الدلالات المذکورة لکلمة «طل» اسما أو فعلا هو «الندی وقطرات المطر»
فعل «هطل» في اللغة العربية یدل علی «نزول المطر بتتابع وبغزارة» کما أن هذا الفعل یتم استخدامه في اللغة العبرية «הִטֽלִיל» وذلک بمعنی «التغطي بالندی» (کلاین، 1987)
فزَّ ـ حفز
کلمة «فزَّ» نجدها في مختلف اللغات السامية منها اللغة العبرية واللغة السریانية. ففي اللغة العبرية، کلمة «פָּזַז» تعني التحرک بالسرعة والخفة. (کلاین، 1987) کلمة «ܦܙ» في اللغة السریانية تعني «قفز، ورقص ونطّ» (اسمیث، 1879: 3078) فعل «فزَّ» في اللغة العربية، تعني التحرک والنشاط وقد یکون هذا التحرک ناتجا عن خوف أو قلق.
یعني فعل «حفز» في العربية «دَفَعَه أو جعله أن یتحرک». لهذا الفعل مثیل کذلک في اللغة العبرية وهو فعل « חפז» الذي یعني «استعجل وحذر» وهذا الفعل العبري عندما یدخل في باب «هیتفعل» یأخذ معنی جدیدا وهو «جعله یستعجل».
لو بحثنا فيما تم ذکره في المعاجم العربية من المعاني لهذه الکلمة، نجد بإنها تحمل في طیاتها دلالة کلمة «فزَّ» حیث تعني أصلا «أن تدفع شخصا بأن یتحرک نحو تحقیق هدف أو غایة». بعبارة أخری، فعل «فزَّ» یعني أن الفاعل تحرک من دون محرک خارجي ولکنَّ فعل «حفز» یدل علی أن هناک شخص أو شیء جعله أن یتحرک أو أن یقوم بشيء. النقطة التي نعیدها هنا هي أن فعل «فزَّ» فعل مضاعف وعند التحاق «هـ» فقد حرف «ز» المکرر.
ضم ـ هضم
کلمة «צמם» (ص. م. م) في اللغة العبرية تعني ربط شیئین بالبعض. (کلاین، 1987) وفي اللغة الجعزية، یتم استخدام «ፅምም» (ض. م. م) بمعنی قیَّدَ، رَبَطَ، التأم الجلد، رأب الصدع (لسلو، 1991: 150)
کسب فعل «هضم» في اللغة العربية معان مختلفة منها «هضم الطعام» أي أن المعدة تجعل الطعام مادة لزجة قابلة لیمتصها الجسم. لو أمعنا النظر في الفعل، لنجد بأن «هضم» هو أن تحدث تغییرا في شیء بشکل یصلح أن یکون جزءا من مجموعة ما.
فیما یتعلق بالتغییر الذي طرأ علی الجذر الثلاثي الرئیسي، فتم حذف الحرف المکرر في هذا الفعل المضاعف لیحل محله حرف الـ «هاء».
راع ـ هرع
فعل «راع» یعني «خافَ وفزع» في اللغة العربية وقد تکون کلمة « רָעָה» والتي تعني الاضطراب والفزع (کلاین، 1987) وکلمة «راع» من أصل واحد. کلمة «هرع» في اللغة العربية تعني «تحرک بسرعة وبخفة» غیر أن هناک نقطة هامة لابد أن نعیرها اهتماما بالغا وهي أن کلمة «هرع» یعنی «جعله یخاف» و الشخص الذي یخاف، لا شک أنه یرکض علَّه یجد نجاة من الموقف الخطیر الذي هو فیه. في الحقیقة، نسي العرب المعنی الرئیسي لهذه الکلمة ورکزوا علی نتیجة هذه الإخافة وهي الرکض بسرعة.
التغییر الذي حدث للجذر الثلاثي الرئیسي هو حذف حرف العلة الذي کان یشکل «عین الفعل» وبعد ذلک تم التحاق حرف الـ «هاء» إلی هذا الجذر لیتحول إلی «هرع».
صان ـ حصن
فعل «صان» في اللغة العربية تعني «الحفاظ علی شیء قد یکون مالا أو عرضا وسمعة». في اللغة العبرية لدینا کلمة « צִנָּה» والتي تعني «ترسا کبیرا یغطي کل الجسم و الجدار المحافظ» (کلاین، 1987) وفعل «حصن» الذي یرافق کلمات ک «المکان والشخص» یعني أن تجعل ذلک المکان وذلک الشخص محفوظین بحیث لا یمکن أن یسبب أحد أذی لهما.
النقطة التي لابد من الإشارة إلیها أن حرف العلة الذي یشکل «عین الفعل» في فعل «صان» تم حذفه لیحل محله «ح».
دم ـ هدم
کلمة «دم» لها دلالة واحدة في مختلف اللغات السامية وهي «الدم» الذي نعرفه کمادة سائلة حمراء لا یمکن الحیاة بدونها. أما فیما یتعلق بکلمة «هدم»، علینا الإشارة إلی أن کلمة «הִדֵּם» في اللغة العبرية (کلاین، 1987) و«ܗܕܡ» في اللغة السریانية (اسمیث، 1879: 975) تعني أن تمثل جثمان شخص وتجعله إربا إربا. فإنها کانت في الأصل تعني «إراقة الدماء» والتي تؤدي إلی إبادة شخص أو أشخاص. قد تکون الصورة المخزونة في بال أصحاب اللغة عن عملية الهدم هي صورة عن «إراقة دم الأعداء» فبعبارة أخری، کان «هدم العدو» هو «قتله وإماتته» ولکن هذه الکلمة تطورت حیث کسبت من «الإزالة والإبادة» معنی لنفسها وقد تکون نفس الأمر حدث لکلمة «عدم».
بما أن الکلمة الرئیسة أي کلمة «الدم» کانت مکونة من حرفین، لم یکن هناک حاجز لکي یلتحق بها حرف «الهاء» ویظهر فعل جدید وهو «هدم».
درَّ ـ هدر
یعني فعل «درَّ» في اللغة العربية «فاض أو سال بکثرة» کما أن فعل «דרר» في اللغة العبرية تدل علی فیضان سائل أو انسیابه بسرعة. (کلاین، 1987) دلالات هذه الکلمة في العربية والعبرية ترشدنا إلی هذه الحقیقة بأن فعل «درَّ» یعني أن یطفح ما في آنية من السوائل بشکل یؤدي إلی انسیابه خارج الآنية. أما کلمة «هدر» تضم في دلالاتها المذکورة في المعاجم معنی «درَّ» فأن یهدر الدم یعني أن یخرج الدم من عروق شخص والذي یجعل حیاة الشخص عرضة للخطر. فخروج الدم من العروق، یجعل من هذا السائل مادة لا یمکن الاستفادة منها.
بما أن فعل «درَّ» فعل مضاعف فالتغییر الذي طرأ علیه عند التحاق حرف الـ «هاء» به هو حذف الحرف المکرر.
ناع ـ هنع
فعل «ناع» في اللغة العربية یعني «مال» و«ناع الغصن» یعني «تمایل الغصن» کما أن «ناعت العقاب» یعني «مالت للانقضاض». فعل «هنع» في اللغة العربية یعني «خَضَعَ» و«هَنَعَ الشيءَ» یعني «ثنی بعضَه علی بعض» و«هَنِعَ فلانٌ» یعني ظهر انحناء في قامته. مقارنة الدلالات التي تم ذکرها للفعلین ترشدنا إلی التشابه الموجود بینهما. حیث لا یمکن أن نعتبرهما من أصلین مختلفین. أما التغییر الذي طرأ علی الجذر الرئیسي هو حذف حرف العلة الذي یشکل «عین الفعل» والتحاق حرف الـ «هاء» إلی «ناع» لیتحول إلی «هنع».
ونی ـ هون
إذا نسبنا فعل «ونی» إلی فاعل، فوصفناه بأنه شخص «یتصرف بإهمال أو عدم اهتمام» أو أنه «ضعیف وفاتر في أمر» وهذا الفعل نجده في اللغة العبرية (ינה) والذي یدل علی الاستخفاف بشخص، وإرهاقه، وإزعاجه وإساءة معاملته. (کلاین، 1987)
فعل «هون» في اللغة العربية یعني «تخفیف أمر وعدم المبالاة به» کما أن فعل «הוֹנָה» في اللغة العبرية تدل علی «الإزعاج، والتنکید» (کلاین، 1987)
ما نراه یدل علی أن هناک علاقة وثیقة بین الفعلین «ونی» و «هوّن» حیث أن لهما دلالة مشترکة لا یمکن إنکارها. من ناحية أخری، نری بأن الجزء الأخیر من فعل «ونی» قد تم حذفه لتصبح إضافة حرف الـ «هاء» إلیه أمرا ممکنا.
النتائج
لقد حاول الباحثان في دراستهما هذه الإجابة إلی هذا السؤال: هل یمکن القول بأن الأفعال التي تبدأ بحرفي «هـ» و«ح» هي أفعال متعدية أصلا حیث أن هذین الحرفین هما في الأصل أداتان للتعدية ولکنهما ـ علی مر الأیام ـ التحقا بالجذر الثلاثي للأفعال؟
تشیر النتائج التي تم التوصل إلیها عبر دراسة الأفعال المذکورة وحذف الجزء الذي کنا نفترض بأن یکون جزءا مضافا إلی الجذر الثلاثي، إلی أن حرفي «هـ» و«ح» لم یکونا من جذر الفعل بل تم إضافتهما إلیه. بعبارة أخری، في هذه الدراسة وبعد حذف الحرفین المذکورین، وصلنا إلی حرفین. فبحثنا بین الأفعال العربية ما یشترک فیها هذان الحرفان. فوجدنا بأن هناک أفعال مضاعفة أو معتلة تضم هذین الحرفین. فنتائج هذه الدراسة تشیر إلی أنه وعند التحاق «ه» و«ح» إلی الجذر الثلاثي للفعل، فقد الفعل الحرف المکرر (في الفعل المضاعف) وحرفه المعتل (في الأفعال المعتلة) حتی لا یزید عدد العناصر المکونة للجذور عن ثلاثة.
التوصیة التي یمکن أن أقدمها للباحثین الذين یریدون مواصلة هذه الدراسة التي بدأناها نحن، هي أن یجعلوا جمیع الأفعال التي تبدأ بحرف «هـ» و«ح» تحت المجهر محاولين إماطة اللثام عن أصل الأفعال وعن التطورات التي عاشتها اللغة العربية مدی القرون السابقة.
النقطة الأخیرة التي لا بد من الإشارة إلیها بأن ما قاله الباحثان مجرد آراء لغوية وصحتها مستمرة مادام لم یقدم باحث آخر ما یدحضها.
المصادر:
Brockelmann, C. (1916). Semitische sprachwissenschaft (Vol. 291). GJ Göschen.
Lipiński, E. (2001). Semitic languages: outline of a comparative grammar (Vol. 80). Peeters Publishers.
Klein, E., & Rabin, Ḥ. (1987). A comprehensive etymological dictionary of the Hebrew language for readers of English. Carta Jerusalem.
Smith, R. P. (1967). A Compendious Syriac Dictionary: Founded Upon the Thesaurus Syriacus. Oxford: Clarendon Press.
Biella, J. C. (1982). Dictionary of Old South Arabic. Sabaean dialect. Chico, CA : Scholars Press.
Leslau, W. (1991). Comparative Dictionary of Geez (Classical Ethiopic): Geez-English. English-Ge’ez with an index of the Semitic roots. Wiesbaden: Harrassowitz Verlag
Payne Smith, R. (1879). Thesaurus syriacus. Tomus I.
Costaz, L. (1984). Syriac-French-English-Arabic-Dictionary. Beirut: Dar el-Machreq
عبابنة، یحیی. (2010). بنية الفعل الثلاثي في العربية والمجموعة السامية الجنوبية: دراسة مقارنة في الأصول الفعلية. أبوظبي: أبوظبي للثقافة والتراث.
ضیف، شوقي. (1982). تاريخ الأدب العربي (ج. 1). القاهره: دار المعارف.
الفیروزآبادی، محمد بن یعقوب. (د. ت) القاموس المحیط. مصر: المطبعة المیمنية.
یک پاسخ
با سلام و عرض ادب مقاله بسیار مفید و جالبی بود که جا برای تحقیق بیشتر و گسترش آن بسیار است امیدوارم شاهد مقالات دیگری در این خصوص از جانب شما استاد فرزانه و دیگر اساتید باشیم
ممنون